فضل القران الكريم على اهل البيت :
من الخير أن يقف الإنسان دون ولوج هذا الباب، وأن يتصاغر أمام هذه لعظمة، وقد يكون الاعتراف بالعجز خيرا من المضي
في البيان
ماذا يقول الواصف في عظمة القرآن، وعلو كعبه؟
وماذا يقول في بيان فضله، وسمو مقامه؟
وكيف يستطيع الممكن أن يدرك مدى كلام الواجب؟
وماذا يكتب لكاتب في هذا الباب؟
وماذا يتفؤه به الخطيب؟
وهل يصف المحدود إلا محدودا؟
وحسب القرآن عظمة، وكفاه منزلة وفخرا أنه كلام الله العظيم، ومعجزة نبيه الكريم، وأن آياته هي المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم في أجيالهم وأدوارهم، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية القصوى والسعادة الكبرى في العاجل والآجل: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)(17: 9).
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)(14: 1).
(هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)(3 : 138).
وقد ورد في الأثر عن النبي (صلى الله عليه واله): (فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)(1).
نعم من الخير أن يقف الإنسان دون ولوج هذا الباب، وأن يكل بيان فضل القرآن إلى نظراء القرآن، فإنهم أعرف الناس بمنزلته، وأدلهم على سمو قدره، وهم قرناؤه في الفضل، وشركاؤه في الهداية، أما جدهم الأعظم فهو الصادع بالقرآن، والهادي إلى أحكامه، والناشر لتعاليمه.
وقد قال (صلى الله عليه واله): (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"(2).
فالعترة هم الإدلاء على القرآن، والعالمون بفضله. فمن الواجب أن نقتصر على أقوالهم، ونستضئ بإرشاداتهم. ولهم في فضل القرآن أحاديث كثيرة جمعها شيخنا المجلسي في (البحار) الجزء التاسع عشر منه.
ونحن نكتفي بذكر بعض ما ورد: روى الحارث الهمداني قال: (دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت: ألا ترى أن أناسا يخوضون في الأحاديث في المسجد ؟ فقال: قد فعلوها ؟ قلت: نعم، قال: أما إني قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول:
ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها ؟ قال: كتاب الله، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به اجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم، خذها إليك يا أعور)(3).
وفي الحديث مغاز جليلة يحسن أن نتعرض لبيان أهمها. يقول (صلى الله عليه واله): (فيه نبأ ما كان قبلكم. وخبر ما بعدكم) والذي يحتمل في هذه الجملة وجوه:
الأول: أن تكون إشارة إلى أخبار النشأة الأخرى من عالمي البرزخ والحساب والجزاء على الأعمال. ولعل هذا الاحتمال هو الأقرب، ويدل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: (فيه نبأ من كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم)(4).
الثاني: أن تكون إشارة إلى المغيبات التي أنبأ عنها القرآن، مما يقع في الأجيال المقبلة.
الثالث: أن يكون معناها أن حوادث الأمم السابقة تجري بعينها في هذه الأمة، فهي بمعنى قوله تعالى: (لتركبن طبقا عن طبق)(84: 19)، وبمعنى الحديث المأثور عن النبي (صلى الله عليه وآله) (لتركبن سنن من قبلكم)(5).
أما قوله (صلى الله عليه وآله): (من تركه من جبار قصمه الله) فلعل فيه ضمانا بحفظ القرآن عن تلاعب الجبارين، بحيث يؤدي ذلك إلى ترك تلاوته وترك العمل به، والى جمعه من أيدي الناس كما صنع بالكتب الإلهية السابقة (6) فتكون إشارة إلى حفظ القرآن من التحريف.
وهذا أيضا هو معنى قوله في الحديث: (لا تزيغ به الأهواء) بمعنى لا تغيره عما هو عليه، لان معاني القرآن قد زاغت بها الأهواء فغيرتها.
وأشار الحديث إلى أن الأمة لو رجعوا إلى القرآن في خصوماتهم، وما يلتبس عليهم في عقائدهم وأعمالهم لأوضح لهم السبيل. ولوجدوه الحكم العدل، والفاصل بين الحق والباطل.
نعم، لو أقامت الأمة حدود القرآن، واتبعت مواقع إشاراته وإرشاداته، لعرفت لحق وأهله، وعرفت حق العترة الطاهرة الذين جعلهم النبي (صلى الله عليه واله) قرناء الكتاب، وأنهم الخليفة الثانية على الأمة من بعده ولو استضاءت الأمة بأنوار معارف القرآن، لأمنت العذاب الواصب، ولما تردت في العمى، ولا غشيتهم حنادس الضلال، ولا عال سهم من فرائض الله، ولا زلت قدم عن الصراط السوي، ولكنها أبت إلا الانقلاب على الأعقاب، وإتباع الأهواء، والانضواء إلى راية الباطل حق آل الأمر إلى أن يكفر بعض المسلمين بعضا، ويتقرب إلى الله بقتله، وهتك حرمته، وإباحة ماله، وأي دليل على إهمال الأمة للقرآن أكبر من هذا التشتت العظيم؟!